كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والضمير المنصوب في قوله: {وجعلها} عائد إلى الكلام المتقدم.
وأنث الضمير لتأويل الكلام بالكلمة نظرًا لوقوع مفعوله الثاني لفظ {كلمة} لأن الكلام يطلق عليه {كلمة} كقوله تعالى في سورة المؤمنين (100) {إنها كلمةٌ هو قائلها} أي قول الكافر {رَبِّ ارجعون لعلّي أعمل صالحًا فيما تَركْتُ} [المؤمنون: 99، 100].
وقال تعالى: {كبرت كلمةٌ تخرج من أفواههم} [الكهف: 5] وهي قولهم: {اتّخذ الله ولدًا} [البقرة: 116] وقد قال تعالى: {وأوصى بها إبراهيم بنيه} [البقرة: 132]، أي بقوله: {أسلمت لربّ العالمين} [البقرة: 131] فَأعاد عليها ضمير التأنيث على تأويل (الكلمة).
واعلم أنه إنّما يقال للكلام كلمة إذا كان كلامًا سائرًا على الألسنة متمثلًا به، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم «أصدق كلمة قالها شاعر كلمةُ لبيد: ألاَ كلُ شيء ما خلا الله باطل» أو كان الكلام مجعولًا شعارًا كقولهم: لا إله إلا الله كلمة الإسلام، وقال تعالى: {ولقد قالوا كلمة الكفر} [التوبة: 74].
فالمعنى: جعَل إبراهيم قوله: {إنني براءٌ مما تعبدون إلا الذي فطرني} [الزخرف: 26، 27] شعارًا لعقبه، أي جعلها هي وما يرادفها قولا باقيًا في عقبه على مرّ الزمان فلا يخلو عقب إبراهيم من موحدين لله نابذين للأصنام.
وأشعر حرف الظرفية بأن هاته الكلمة لم تنقطع بين عقب إبراهيم دون أن تعمّ العقب، فإن أريد بالعقب مجموعُ أعقابه فإن كلمة التوحيد لم تنقطع من اليهود وانقطعت من العرب بعد أن تقلدوا عبادة الأصنام إلاّ من تَهوّد منهم أو تنصَّر، وإن أريد مِن كُل عقب فإن العرب لم يخلو من قائم بكلمة التوحيد مثل المتنَصِّرين منهم كالقبائل المتنصرة وورقة بن نوفل، ومثل المتحنفين كزيد بن عَمرو بن نُفيل، وأُمية بن أبي الصلت.
وذلك أن {في} ترد للتبعيض كما ذكرناه في قوله تعالى: {وارزقوهم فيها واكسوهم} في سورة النساء (5).
وقال سَبْرة بن عَمرو الفقعسي من الحماسة:
ونَشْرب في أثمانها ونُقامر

والعقب: الذرية الذين لا ينفصلون من أصلهم بأنثى، أي جعل إبراهيم كلمة التوحيد باقية في عقبه بالوصاية عليها راجيًا أنهم يرجعون، أي يتذكرون بها التوحيد إذا رانَ رَيْن على قلوبهم، أو استحسنوا عبادةَ الأصنام كما قال قوم موسى: {اجْعَل لنا إلها كما لهم آلهةٌ} [الأعراف: 138] فيهتدون بتلك الكلمة حين يضيق الزّمن عن بسط الحجة.
وهذا شأن الكلام الذي يجعل شعارًا لشيء فإنه يكون أصلًا موضوعًا قد تبيّن صدقه وإصابته، فاستحضاره يغني عن إعادة بسط الحجة له.
وجملة {لعلهم يرجعون} بدل اشتمال من جملة {وجعلها كلمة باقية في عقبه} لأن جعله كلمة {إنني براء مما تعبدون} [الزخرف: 26] باقية في عقبه، أراد منه مصالح لعقبه منها أنه رَجا بذلك أن يرجعوا إلى نبذ عبادة الأصنام إن فُتنوا بعبادتها أو يتذكروا بها الإقلاع عن عبادة الأصنام إن عبدوها، فمعنى الرجوع، العود إلى ما تدل عليه تلك الكلمة.
ونظيره قوله تعالى: {وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون} [الزخرف: 48]، أي لعلهم يرجعون عن كفرهم.
فحرف (لعل) لإنشاء الرجاء، والرجاء هنا رَجاء إبراهيم لا محالة، فتعيّن أن يقدر معنى قول صادر من إبراهيم بإنشاء رجائه، بأن يقدر: قال: {لعلهم يرجعون}، أو قائلًا: {لعلهم يرجعون}.
والرّجوع مستعار إلى تغيير اعتقاد طارىء باعتقاد سابق، شبه ترك الاعتقاد الطارىء والأخذ بالاعتقاد السابق برجوع المسافر إلى وطنه أو رجوع الساعي إلى بيته.
والمعنى: يرجع كل من حاد عنها إليها، وهذا رجاؤه قد تحقق في بعض عقبه ولم يتحقق في بعضضٍ كما قال تعالى: {قال ومن ذريْتي قال لا ينال عهدي الظّالمين} [البقرة: 124] أي المشركين.
ولعل ممن تحقق فيه رجاء إبراهيم عمود نسب النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كانوا يكتمون دينهم تقية من قومهم، وقد بسطتُ القول في هذا المعنى وفي أحوال أهل الفترة في هذه الآية في رسالة (طهارة النسب النبوي من النقائص).
وفي قوله: {وجعلها كلمة باقيةً في عقبه} إشعار بأن وحدانية الله كانت غير مجهولة للمشركين، فيتجه أن الدعوة إلى العلم بوجود الله ووحدانيته كانت بالغة لأكثر الأمم بما تناقلوه من أقوال الرّسل السابقين، ومن تلك الأمم العرب، فيتجه مؤاخذَةُ المشركين على الإشراك قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم أهملوا النظر فيما هو شائع بينهم أو تغافلوا عنه أو أعرضوا.
فيكون أهل الفترة مؤاخذين على نبذ التوحيد في الدّنيا ومعاقَبين عليه في الآخرة وعليه يُحمل ما ورد في صحاح الآثار من تعذيب عَمرو بن لُحيَ الذي سنّ عبادة الأصنام وما روي أن امرأ القيس حامل لواء الشعراء إلى النّار يوم القيامة وغير ذلك.
وهذا الذي يناسب أن يكون نظر إليه أهل السنة الذين يقولون: إن معرفة الله واجبة بالشرع لا بالعقل وهو المشهور عن الأشعري، والذين يقولون منهم: إن المشركين من أهل الفترة مخلَّدون في النّار على الشرك.
وأما الذين قالوا بأن معرفة الله واجبة عقلًا وهو قول جميع المَاتريدية وبعض الشافعية فلا إشكال على قولهم.
{بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29)}.
إضراب عن قوله: {لعلهم يرجعون} [الزخرف: 28]، وهو إضراب إبطال، أي لم يحصل ما رجاه إبراهيم من رجوع بعض عقبه إلى الكلمة التي أوصاهم برعيها.
فإن أقدم أمة من عقبه لم يرجعوا إلى كلمته، وهؤلاء هم العرب الذين أشركوا وعبدوا الأصنام.
وبعدَ {بل} كلام محذوف دلّ عليه الإبطال وما بعد الإبطاللِ، وتقديرُ المحذوف: بل لم يرجع هؤلاء وآباؤهم الأولون إلى التوحيد ولم يتبرأوا من عبَادة الأصنام ولا أخذوا بوصاية إبراهيم.
وجملة {مَتَّعتُ هؤلاء وآباءهم} مستأنفة استئنافًا بيانيًا لسائل يسأل عما عاملهم الله به جزاء على تفريطهم في وصاية إبراهيم وهلا استأصلهم.
كما قال: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير} إلى قوله: {فانتقمنا منهم} [الزخرف: 23 25]، فأجيب بأن الله متعهم بالبقاء إلى أن يجيئهم رسول بالحق وذلك لحكمة علمها الله يرتبط بها وجود العرب زمنًا طويلًا بدون رسول، وتأخُّرُ مجيء الرّسول إلى الإبان الذي ظهر فيه.
وبهذا الاستئناف حصل التخلص إلى ما بدا من المشركين بعد مجيء الرّسول صلى الله عليه وسلم من فظيع توغلهم في الإعراض عن التوحيد الذي كان عليه أبوهم فكان موقع {بل} في هذه الآية أبلغ من موقعها في قول لبيد:
بل ما تذكر من نوارَ وقد نأت ** وتَقَطعت أسبابُها ورمَامها

إذ كان انتقاله اقتضابًا وكان هنا تخلصًا حَسنًا.
و{هؤلاء} إشارة إلى غير مذكور في الكلام، وقد استقريْتُ أن مصطلح القرآن أن يريد بمثله مشركي العرب، ولم أر من اهتدى للتنبيه عليه، وقد قدّمتهُ عند قوله تعالى: {وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} في سورة النساء (41) وفي مواضع أخرى.
والمراد بآبائهم آباؤهم الذين سنّوا عبادة الأصنام مثل عَمْرو بن لُحَيِّ والذين عبدوها من بعده.
وتمتيع آبائهم تمهيد لتمتِيع هؤلاء، ولذلك كانت غاية التمتيع مجيءَ الرّسول فإن مجيئه لهؤلاء.
والتمتيع هنا التمتيع بالإمهال وعدم الاستئصال كما تدلّ عليه الغاية في قوله: {حتى جاءهم الحق ورسول مبين}.
والمراد بـ {الحق} القرآن كما يدل عليه قوله: {ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر} [الزخرف: 30] وقوله: {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيمٍ} [الزخرف: 31] وهذه الآية ثناء راجع على القرآن متصل بالثناء عليه الذي افتتحت به السورة.
فإنه لما جاء القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم انتهى التمتيع وأُخذوا بالعذاب تدريجًا إلى أن كان عذاب يوم بدر ويوم حنين، وهدى الله للإسلام من بقي يومَ فتح مكة وأيامَ الوفود.
وهذا في معنى قوله تعالى: {وأممٌ سنمتعهم ثم يمسهم منا عذابٌ أليمٌ} في سورة هود (48).
والحق الذي جاءهم هو: القرآن، والرّسول المبين: محمد ووصفه بـ{مبين} لأنه أوضَحَ الهُدى ونصبَ الأدلةَ وجاء بأفصح كلام.
فالإبانة راجعة إلى معاني دينه وألفاظ كتابه.
والحكمة في ذلك أن الله أراد أن يشرف هذا الفريق من عقب إبراهيم بالانتشال من أوحال الشرك والضلال إلى مناهج الإيمان والإسلام واتباع أفضل الرّسل وأفضل الشرائع، فيجبرَ لأمَّة من عَقِب إبراهيم ما فرطوا فيه من الاقتداء بأبيهم حتى يكمل لدعوته شرف الاستجابة.
والمقصود من هذا زيادة الإمهال لهم لعلهم يتذكرون كما قال تعالى: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنّا أهدى منهم فقد جاءكم بيّنةٌ من ربّكم وهدىً ورحمةٌ فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون} [الأنعام: 155 157].
ويستروح من قوله تعالى: {وجعلها كلمة باقية في عقبه} إلى قوله: {وآباءهم} [الزخرف: 28، 29] أنّ آباء النبي صلى الله عليه وسلم في عمود نسبه لم يكونوا مضمرين الشركَ وأنهم بعضُ من عقب إبراهيم الذين بقيت كلمته فيهم ولم يجهروا بمخالفة قومهم اتقاءَ الفتنة.
ولا عجب في ذلك فإن تغيير المنكر إنّما وجب بالشرع ولم يكن لديهم شرع.
{وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قالوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30)}.
تعجيب من حال تغافلهم، أي قد كان لهم بعض العذر قبل مجيء الرّسول صلى الله عليه وسلم والقرآن لأن للغفلات المتقادمة غشاوة تُصَيِّر الغفلة جهالة، فكان الشأن أن يستيقظوا لمَّا جاءهم الحق ورسول مبين فيتذكروا كلمة أبيهم إبراهيم، ولكنهم لما جاءهم الحق قالوا: هذا سِحر، أي قالوا للرّسول: هذا ساحر، فازدادوا رَيْنًا على رَيْن.
فالخبر مستعمل في التعجيب لا في إفادة صدور هذا القول منهم لأن ذلك معلوم لهم وللمسلمين.
وفي تعقيب الغاية بهذا الكلام إيذان بأن تمتيعهم أصبح على وشك الانتهاء.
فجملة {ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر} معطوفة على جملة {حتى جاءهم الحق} [الزخرف: 29] فإن {لما} توقيتية فهي في قوة حتى الغائيَّة كأنه قيل: متعت هؤلاء وآباءهم، فلما جاءهم الحق عقِبَ ذلك التمتيع لم يستفيقوا من غفلتهم وقالوا: هذا سحر، أي كانوا قبل مجيء الحق مشركين عن غفلة وتساهل، فلما جاءهم الحق صاروا مشركين عن عناد ومكابرة.
وجملة {وإنا به كافرون} مقول ثانٍ، أي قالوا: هذا سحر فلا نلتفت إليه وقالوا إنا به، أي بالقرآن، كافرون، أي سواء كان سحرًا أم غيره، أي فرضوا أنه سحر ثم ارتقوا فقالوا إنّا به كافرون، أي كافرون بأنه من عند الله سواء كان سحرًا أم شعرًا أم أساطيرَ الأولين.
ولهذا المعنى أكدوا الخبر بحرف التأكيد ليُؤْيسوا الرّسول صلى الله عليه وسلم من إيمانهم به.
{وَقالوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا القرآن عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)}.
عطف على جملة {قالوا هذا سحر} [الزخرف: 30] فهو في حيّز جواب {لمّا} [الزخرف: 30] التوقيتية واقع موقع التعجيب أيضًا، أي بعد أن أخذوا يتعللون بالعلل لإنكار الحق إذ قالوا للقرآن: هذا سحر، وإذ كان قولهم ذلك يقتضي أن الذي جاء بالقرآن ساحِر انتُقل إلى ذِكر طعن آخر منهم في الرّسول بأنه لم يكن من عظماء أهل القريتين.
و{لولا} أصله حرف تحْضيض، استعمل هنا في معنى إبطال كونه رسولًا على طريقة المجاز المرسل بعلاقة الملازمة لأن التحْضيض على تحصيل ما هو مقطوع بانتفاء حصوله يستلزم الجزم بانتفائه.
والقريتان هما: مكة والطائف لأنّهما أكبر قُرى تهامة بلد القائلين وأما يثرب وتيماء ونحوهما فهي من بلد الحجاز.
فالتعريف في {القريتين} للعهد، جعلوا عماد التأهل لسيادة الأقوام أمرين: عظمة المسوّد، وعظمة قريته، فهم لا يدينون إلا من هو من أشهر القبائل في أشهر القرى لأن القرى هي مأوى شؤون القبائل وتموينهم وتجارتهم، والعظيم: مستعار لصاحب السؤدد في قومه، فكأنه عظيم الذات.
روي عن ابن عباس أنهم عَنَوْا بعظيم مكة الوليدَ بن المغيرة المخزومي، وبعظيم الطائف حبيب بن عمرو الثقفي.
وعن مُجاهد أنهم عنَوا بعظيم مكة عتبة بن رَبيعة وبعظيم الطائف كنانة بن عبد يَالِيل.
وعن قتادة عنوا الوليدَ بن المغيرة وَعُروة بن مسعود الثقفي.
ثم يحتمل أنهم قالوا هذا اللّفظ المحكي عنهم في القرآن ولم يسموا شخصين معيّنَيْن، ويحتمل أنهم سمّوا شخصين ووصفوهما بهذين الوصفين، فاقتصر القرآن على ذكر الوصفين إيجازًا مع التنبيه على ما كانوا يؤهلون به الاختيار للرسالة تحميقًا لرأيهم.
وكان الرجلان اللّذان عَنوهما ذَوَيْ مال لأنّ سَعة المال كانت من مقومات وصف السؤدد كما حكي عن بني إسرائيل قولهم: {ولم يؤت سعةً من المال} [البقرة: 247].
{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ}.
إنكار عليهم قولهم {لولا نزل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم} [الزخرف: 31]، فإنهم لما نصبوا أنفسهم منصب من يتخير أصناف النّاس للرسالة عن الله، فقد جعلوا لأنفسهم ذلك لا لله، فكان من مقتضَى قولهم أن الاصطفاء للرسالة بيدهم، فلذلك قُدّم ضمير {هُمْ} المجعول مسندًا إليه، على مسندٍ فعلي ليفيد معنى الاختصاص فسلط الإنكار على هذا الحصر إبطالًا لقولهم وتخطئة لهم في تحكمهم.
ولما كان الاصطفاء للرسالة رحمة لمن يُصطفَى لها ورحمة للنّاس المرسل إليهم، جعل تحكمهم في ذلك قسمة منهم لرحمة الله باختيارهم من يُختار لها وتعيين المتأهل لإبلاغها إلى المرحومين.
ووُجِّه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأضيف لفظ (الرب) إلى ضميره إيماء إلى أن الله مؤيده تأنيسًا له، لأن قولهم: {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} [الزخرف: 31] قصدوا منه الاستخفاف به، فرفع الله شأنه بإبلاغ الإنكار عليهم بالإقبال عليه بالخطاب وبإظهار أن الله ربّه، أي متولي أمره وتدبيره.
وجملة {نحن قسمنا بينهم معيشتهم} تعليل للإنكار والنفي المستفاد منه، واستدلال عليه، أي لما قسمنا بين النّاس معيشتهم فكانوا مسيَّرين في أمورهم على نحو ما هيّأنا لهم من نظام الحياة وكان تدبير ذلك لله تعالى ببالغ حكمته، فجَعل منهم أقوياء وضعفاء، وأغنياء ومحاويج، فسخر بعضهم لبعض في أشغالهم على حساب دواعي حاجة الحياة، ورفع بذلك بعضهم فوق بعض، وجعل بعضهم محتاجًا إلى بعض ومُسخّرًا به.
فإذا كانوا بهذه المثابة في تدبير المعيشة الدّنيا، فكذلك الحال في إقامة بعضهم دون بعض للتبليغ فإن ذلك أعظم شؤون البشر.